وذكرت جريدة "القدس العربي" عدداً من قصائد الكتاب منها:
وللأهل بيتٌ. وللبيت نافذتان وبابْ...
علي شاطيء البحر بنتٌ. وللبنت أَهلٌ
وفي البحر بارِجَـةٌ تتسَلَّي
بصَـيْــدِ الـمُشَاة علي شاطيء البحر:
A
أَربعَةٌ، خَمْسَةٌ، سَبْــعَةٌ
يسقطون علي الرمل، والبنتُ تنجو قليلاً
لأنَّ يداً من ضبابْ
يداً ما إلهيَّـةً أَسْعَفَتْها، فنادتْ: أَبي
يا أَبي! قُمْ لنرجع، فالبحر ليس لأمثالنا!
لم يُجِبْــها أبوها الـمُسَجَّي علي ظلِّهِ
في مهبِّ الغيابْ
دَمٌ في النخيل، دَمٌ في السحابْ
يطير بها الصوتُ أَعلي وأَبعدَ مِنْ
شاطيء البحر. تصرخ في ليل بَرّ ية،
لا صدي للصدي.
فتصير هي الصرخةَ الأبديَّـةَ في خَبَرٍ
عاجلٍ، لم يعد خبراً عاجلاً
عندما
عادت الطائرات لتقصف بيتاً بنافذتين وبابْ!
"ذباب أَخضر":
أَلمشهد هُوَ هُوَ. صيفٌ وعَرَقٌ، وخيال
يعجز عن رؤية ما وراء الأفق. واليوم
أفضلُ من الغد. لكنَّ القتلي هم الذين
يتجدّدون. يُولَدُون كُلَّ يوم. وحين يحاولون
النوم يأخذهم القتلُ من نعاسهم إلي نومٍ
بلا أحلام. لا قيمة للعدد. ولا أَحد
يطلب عوناً من أحد. أصوات تبحث عن
كلمات في البرية، فيعود الصدي واضحاً
جارحاً: لا أَحد. لكن ثمَّـةَ من يقول:
من حق القاتل أن يدافع عن غريزة
القتل . أمَّا القتلي فيقولون متأخرين:
من حق الضحية أن تدافع عن حَـقِّها في
الصراخ . يعلو الأذان صاعداً من وقت
الصلاة إلي جنازات متشابهة: توابيتُ
مرفوعةٌ علي عجل، تدفن علي عجل... إذ لا
وقت لإكمال الطقوس، فإنَّ قتلي آخرين
قادمون، مسرعين، من غاراتٍ أخري. قادمون
فُرَادي أو جماعات... أو عائلةً واحدةً لا
تترك وراءها أيتاماً وثكالي. السماء رماديَّةٌ
رصاصية، والبحر رماديٌّ أزرق. أَمَّا لون
الدم فقد حَجَبَتْهُ عن الكاميرا أَسرابٌ من
ذباب أَخضر!
"كقصيدةٍ نثريّة":
صيفٌ خريفيٌّ علي التلال كقصيدةٍ نثرية. النسيم
إيقاعٌ خفيف أحسُّ به ولا أَسمعه في تواضُع
الشجيرات. والعشب المائل إلي الأصفرار صُوَرٌ
تتقشَّفُ، وتُغري البلاغة بالتشَبُّه بأَفعالها
الماكرة. لا احتفاء علي هذه الشِعاب إلَّا
بالـمُتاح من نشاط الدُوريّ، نشاطٍ يراوح
بين معنيً وعَبَث. والطبيعة جسدٌ يتخفَّف
من البهرجة والزينة، ريثما ينضج التين والعنب
والرُمَّان ونسيانُ شهواتٍ يوقظها المطر. لولا
حاجتي الغامضة إلي الشعر لَـمَا كنت في حاجة
إلي شيء ـ يقول الشاعر الذي خَفَّتْ حماسته
فقلَّت أخطاؤه. ويمشي لأن الأطباء نصحوه
بالمشي بلا هدف، لتمرين القلب علي لامبالاةٍ ما
ضروريةٍ للعافية. وإذا هجس، فليس
بأكثر من خاطرة مجانيّة. الصيف لا يصلح
للإنشاد إلّا في ما ندر. الصيف قصيدةٌ
نثريَّةٌ لا تكترث بالنسور المحلِّقة في الأعالي.
"ليتني حجر":
لا أَحنُّ إلي أيِّ شيءٍ
فلا أَمسِ يمضي، ولا الغَدُ يأتي
ولا حاضري يتقدَّمُ أَو يتراجَعُ
لا شيء يحدث لي!
ليتني حَجَرٌ ـ قُلْتُ ـ يا ليتني
حَجَرٌ ما ليصقُلَني الماءُ
أَخضرُّ، أَصفَرُّ ... أُوضَعُ في حُجْرَ ةٍ
مثلَ مَنْحُوتةٍ، أَو تماريـنَ في النحت...
أو مادَّةً لانبثاق الضروريِّ
من عبث اللاضروريّ ...
يا ليتني حجرٌ
كي أَحنَّ إلي أيِّ شيء!
"أَبعد من التماهي":
أَجلسُ أمام التلفزيون، إذ ليس في وسعي
أن أفعل شيئاً آخر. هناك، أمام التلفزيون،
أَعثُرُ علي عواطفي، وأَري ما يحدث بي ولي.
ألدخان يتصاعد مني. وأَمدُّ يدي المقطوعةَ
لأمسك بأعضائي المبعثرة من جسومٍ عديدة،
فلا أَجدها ولا أهرب منها من فرط جاذبيّة
الألم. أَنا المحاصَرُ من البرِّ والجوِّ والبحر
واللغة. أقلعتْ آخرُ طائرةٍ من مطار بيروت
ووضعتني أمام التلفزيون، لأشاهد بقيَّة موتي
مع ملايين المشاهدين، لا شيء يثبت أني
موجود حين أفكِّر مع ديكارت، بل حين ينهض
مني القربان، الآن، في لبنان. أَدخُلُ في
التلفزيون، أنا والوحش. أَعلم أنَّ الوحش
أقوي مني في صراع الطائرة مع الطائر. ولكني
أَدمنت، ربما أكثر مما ينبغي، بُطُولَةَ المجاز:
التهمني الوحشُ ولم يهضمني. وخرجتُ سالماً
أكثر من مرة. كانت روحي التي طارت شَعَاعاً
مني ومن بطن الوحش تسكن جسداً آخر
أَخفَّ وأَقوي، لكني لا أعرف أين أنا
الآن: أمام التلفزيون، أم في التلفزيون.
أما القلب فإني أراه يتدحرج، ككوز صنوبر،
من جبل لبناني إلي رَفَح!